الخميس، 18 أكتوبر 2012

مــن كــتــاب الــفــوائــد لــلإمــام إبــن الــقــيــم الــجــوزيــة ( 4 )


مثل الدنيا


الدنيا كامرأة بغيّ لا تثبت مع زوج إنما تخطب الأزواج ليستحسنوا عليها، فلا ترضى بالدياثة‏.‏

ميزت بين جمالها وفعالهــــا * * * فإذا الملاحة بالقباحة لا تفي

حلفت لنا ألا تخون عهودنا * * * فكأنها حلفت لنا ألا تفـــــي


السير في طلبها سير في أرض مسبعة‏، والسباحة فيها سباحة في غدير سباحة في غدير التمساح، المفروح به هو عين المخزون عليه، آلامها متولدة من لذاتها وأحزانها من أفراحها‏:‏

مأرب كانت في الشباب لأهلها * * * عذاباً فصارت في المشيب عذاباً


طائر الطبع يرى الحبة وعين العقل ترى الشرك، غير أن عين الهوى عمياء‏:‏

وعين الرضا عن كل عيب كليلة * * * كما أن عين السخط تبدي المساويا


تزخرفت الشهوات لأعين الطباع فغض عنه الذين يؤمنون بالغيب ووقع تابعوها في بيداء الحسرات فـ ‏ «‏أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون» ‏‏‏الآية‏:‏ 5 من سورة البقرة‏‏، وهؤلاء يقال لهم‏:‏ ‏ «‏كلوا وتمتعوا قليلاً إنكم مجرمون» ‏‏‏الآية‏:‏ 46 من سورة المرسلات.
لما عرف الموفقون قدر الحياة الدنيا وقلة الحياة الدنيا وقلة المقام فيها أماتوا فيها الهوى طلباً لحياة الأبد لما استيقظوا من نوم الغفلة استرجعوا بالجد ما انتهبه العدو منهم في زمن البطالة فلما طالت عليهم الطريق تلمحوا المقصد فقرب عليهم البعيد، وكلما أمرت لهم الحياة حلا لهم تذكر‏:‏ ‏ «‏هذا يومكم الذي كنتم توعدون» ‏‏‏الآية‏:‏ 103 من سورة الأنبياء.

وركب سروا والليل ملق رواقه * * * على كل مغْبرّ المطالع قائم

حدوا عزمات ضاعت الأرض بينها * * * فصار سراهم في ظهور العزائم

تريهم نجوم الليل ما يتبعونه * * * على عاتق الشعرى وهام النعائم

إذا اطردت في معرك الجد قصفوا * * * رماح العطايا في صدور المكارم

«‏رواق الليل‏:‏ الرواق من الليل‏:‏ مقدمه، وجانبه»
« ‏الشعرى‏:‏ كوكب يطلع بعد الجوزاء‏ »  

ليست هناك تعليقات: